???? زائر
| موضوع: معاني صيغة استفعل .. من "دراسات في النحو" لصلاح الدين الزعبلاوي !! الأحد أكتوبر 10, 2010 5:20 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
معاني صيغة استفعل .. من "دراسات في النحو" لصلاح الدين الزعبلاوي !!
صيغة أخرى من صيغ مزيد الفعل الثلاثي، وهي تدل على معان مختلفة، أهمها الطلب والسؤال، وهو الغالب فيها، وقد ذهب مؤتمر المجامع اللغوية العربية بالقاهرة إلى قياسه. تقول: استعان واستغفر إذا طلب العون والمغفرة، واستنجد واستغاث إذا طلب النجدة والغوث. كما تقول: استمات- إذا جاهد في القتال، واستخرج المعدن إذا اجتهد في إخراجه. وكذا استنبط الماء واستوقد النار، وهو من باب الطلب أيضًا، والاستئمان طلب الأمان. وقد أقر مؤتمر المجامع اللغوية بالقاهرة مما خلت منه المعاجم: استعرض القائد جنده، واستقطب الأستاذ طلابه، واستجمع الرجل قواه. ومن طريف ماجاء من أقوال الأئمة قول ابن المقفع في الأدب الصغير: "وأعمال السلطان كثيرة، وقليل ما تستجمع الخصال المحمودة عند أحد - شرح إسماعيل يوسف/ 157". فقد بنى الشارح (تستجمع) للمجهول واعتدَّه متعديًا، والأصل أن يبنيه للمعلوم؛ لأنه بمعنى (تجمع) والمراد: وقليل تجمعها. وفي كتاب (حجج النبوَّة) للجاحظ قوله: "وقلت: ولابد من استجماع الأصول ومن استيفاء الفروع ... ومن حسم كل خاطر وقمع كل ناجم وصرف كل هاجس ودفع كل شاغل/147 - للسندوبي". فقد جاء بـ(استجماع) وأعقبه بـ(استيفاء) ... وحسم... وقمع وصرف ودفع)، وكلها مصادر لأفعال متعدّية فأوحى باحتمال تعدية (استجمع)! وفي لغة الكتَّاب قول القائل: (استهدف فلان النجاح أو الربح) إذا اتخذه أو جعله هدفًا له، وهو استعمال معاصر حديث أقره مؤتمر مجامع اللغة. واستهدف في المعاجم فعل لازم، فالهدف الغرض، وأهدف لك الشيء واستهدف إذا انتصب، كذا في الصحاح والمصباح وسواهما. وفي اللسان: "يقال لكل شيء دنا منك وانتصب لك واستقبلك: قد أهدف لك الشيء واستهدف". وفي المثل: "من ألَّفَ فقد استهدف". أي تعرض للنقد فأصبح هدفًا له. وقد جاء في نهج البلاغة: "دارٌ بالبلاء محفوفة أي الدنيا ... وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتفنيهم بحمامها - 2/246". والحمام الموت. وقد جعل الشارح (مستهدفة) مبنية للمفعول بفتح الدال والصواب فيها (مستهدفة) بكسر الدال مبنية للفاعل، أي أصبح أهلها أغراضًا منتصبة تُرمى بالسهام؛ لأن الفعل لازم كما رأيت. فإذا أخذنا بما أخذ به مؤتمر المجامع كان لنا أن نقول: (استهدفت النجاح أو الربح فاستهدف لي)، أي فأصبح هدفًا لي و(استجمعت الأصول فاستجمعت لي) أي تجمعت لي، كما قال العرب: (استنسبني فاستنسبت له) أي طالبني بذكر نسبي فذكرته له، على ما سيمر بك بعد حين. *** ومن معاني (استفعل) الحينونة، تقول: استحصد الزرع- إذا حان حصاده، واستجزَّ الصوف إذا حان جزّه، واسترم الحائط إذا حان أن يرم ويصلح. وفي أساس البلاغة: "رممت من البنيان ما استرم منه" بضم التاء في (استُرِمَ)، وكسر الراء بالبناء للمجهول، وهو خطأ في النسخ، والصواب (ما استرَمَّ منه) بفتح التاء والراء بالبناء للمعلوم، أي ما حان أن يُرمَّ منه، وهو الجانب المتهدم. ويؤيد ذلك نص الصحاح ومختاره واللسان. كما تقول: استهدم الجدار بفتح التاء والدال- إذا مال إلى السقوط فحان هدمه. وقد حمل الدكتور مصطفى جواد في كتابه (المباحث اللغوية بالعراق)، حمل باب (الحينونة) هذا على (الطلب)؛ لأن الحائط إذا استرَمَ مثلًا فكأنما يطلب أو يُريد أن يُرم، إذا أضفت الحياة إلى (الحائط) كما أضيفت إلى (الجدار)، في قوله تعالى: "فوجد فيها جدارًا يريد أن ينقضَّ" - الكهف/77". وقد نسبت الإرادة إلى الجماد وهي من صفات من يعقل مجازًا بطريق المشابهة؛ لأن الجدار إذا شارف الانقضاض والسقوط شابه من يعقل ويريد إذا همَّ بذلك. وكذلك قول الشاعر: ويعدل عن دماء بني عقيل * يريد الرمح صدرَ أبي براء *** ومن معاني (استفعل) الصيرورة والتحول، تقول: استحجر الطين، إذا صار حجرًا، وفي حكم ذلك قولك: استنوق الجمل- إذا صار كالناقة. وهكذا استأسد واستنسر واستفيل إذا صار كالأسد والنسر والفيل. وقد ذهب مؤتمر المجامع اللغوية بالقاهرة إلى قياسه حين الحاجة إلى مدلولاته. *** ومن معاني (استفعل) الاتخاذ والجعل كقولك: استعبد زيد الناس، واستأجر الغلام، واستخلف فلانًا. وهكذا استقضاه إذا ولاه قاضيًا، واستسفره إذا جعله سفيرًا. وقد جاء في نهج البلاغة (2/ 84): "وقد استسفروني بيني وبينكم"، أي اتخذوني وسيطًا وسفيرًا. وقد جعله مؤتمر المجامع اللغوية قياسًا كلما احتيج إليه في التعبير. *** ومن معانيه الاعتقاد والرأي كقولك: استحسنته- إذا رأيته حسنًا، وكذا استقبحته واستهجنته واستشبعته، واستنصحته إذا عددته نصيحًا، وهكذا استعظمته إذا أصبته عظيمًا واستكرمته إذا أصبته كريمًا. *** وقد يأتي (استفعل) بمعنى (فعل)، وقد قال بذلك كثير من الأئمة كابن قتيبة والفارابي والزمخشري وابن يعيش وابن الحاجب والرضي. ومثال ذلك استمر بمعنى مرّ. ففي مختار الصحاح "ومرَّ مرورًا أيضًا بمعنى ذهب، واستمرَّ مثله". وهكذا قرَّ واستقر. وقد ذهب الرضي في شرح الشافية إلى أن (استفعل) هنا يدل على مبالغة الفعل إذ قال: "قوله: استفعل بمعنى فعل نحو قرَّ واستقرَّ، لابد في استقر من مبالغة". ومن هذا القبيل عجب منه واستعجب، وصعب عليه واستصعب ونفر القوم واستنفروا، ونقع الماء واستنقع وعجم الكلام واستعجم. *** وقد يأتي استفعل بمعنى تفعل كاستثبت وتثبت واستيقن وتيقن واستنجز وتنجز واستخفى وتخفى. *** وقد يأتي استفعل لدلالتين معًا كقولك: (استنسبني فاستنسبت له) أي سألني أن أذكر نسبي فذكرت له، وهكذا قولك (استعجلته فاستعجل)، أي سألته العجلة فاستجاب. وقيل في تعليل هذا أن المراد بقولك: (فاستعجل)- طلب العجلة من نفسه، كما جاء في المخصص لابن سيده (ج/14)، قال سيبويه: "فإذا قلت: استعجلتُ غير متعدٍ إلى مفعول فقد طلبت ذلك من نفسك وكلفتها إياه"، وذكر الزمخشري نحو ذلك. وتقول: استعرفت الشيء- إذا عرفته، واستعرفت إلى فلان إذا انتسبت له ليعرفك. |
|