???? زائر
| موضوع: اللغة العربية قديمًا وحديثًا!! الأحد أكتوبر 10, 2010 5:58 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللغة العربية قديمًا وحديثًا!!
فجوة في العقل اللغوي
يبحث كاتب المقال قضية الأزمة التي تعانيها لغتنا العربية المعاصرة، وكيف جفت روافدها، وأصبحت
عاجزة عن ملاحقة العلوم الحديثة، وهو بذلك يستكمل حديثًا كان قد بدأه في عدد سبتمبر الماضي.
تنقسم منظومة اللغة إلى شقين أساسيين:
- شق النحو: ويتمثل في نظام القواعد الذي تعمل وفقًا له الفروع اللغوية المختلفة من صوتيات،
وصرف، وتركيب، ودلالة.
- شق المعجم: ويتضمن قائمة مفردات اللغة، ومعاني هذه المفردات، والعلاقات الداخلية التي
تربط بينها، والعلاقات الخارجية التي تربط بين معاني المفردات والفروع اللغوية المذكورة، كعلاقة معنى
اللفظ بالصيغة الصرفية، وعلاقته بالسياقات النحوية، التي يرد بها اللفظ داخل النص، وهي السياقات
التي تحدد معناه، وكذلك علاقة منظومة المعجم ككل بالواقع خارجه باعتباره - أي المعجم - خط المواجهة
الأول بين اللغة والعالم الذي تسعى إلى تمثيله وتمثله. سنتناول هنا فجوة العقل العربي النظري فيما
يخص شق النحو، حيث سيتناول مقال قادم في هذه السلسلة فجوة المعجم العربي.
يمكن القول، بصورة عامة، إن ضمور العقل اللغوي النظري لدينا يرجع إلى سببين أساسيين، كل
منهما شديد الارتباط بالآخر وهما:
جفاف الروافد العلمية التي تصب في مسار التنظير اللغوي. التخلف عن مواكبة ما أفرزته الثورة اللسانية الحديثة من نظريات ونماذج ومناهج. وكما أشرنا سلفًا، فقد أقامت اللغة علاقات وثيقة مع جميع فروع المعرفة الإنسانية، وسنتناول هنا
أهم الروافد العلمية، التي تصب في مسار التنظير اللغوي الحديث، وقد قسمنا هذه العلوم - وفقًا
لمصطلحات فلسفة العلم - إلى علوم صورية هي: الرياضيات والمنطق والإحصاء، وعلوم إخبارية، هي:
علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الطبيعة (الفيزياء)، وعلم الأحياء (البيولوجيا)، وعلم الإناسة
(الإنثروبولوجيا)، وقد أثمر لقاء اللغة مع كل هذه العلوم الأساسية علمًا ازدواجيًا متخصصًا كما يوضح
الجدول المرفق.
وكثيرًا ما يكون هذا الفرع العلمي الازدواجي ثنائي الاتجاه، فكما أن هناك - على سبيل المثال -
علم اللغة النفسي الذي يتخذ من علم النفس أداة للتنظير اللغوي كما ذكرنا فيما يخص النموذجين
لسلوكي والذهني، هناك أيضًا علم النفس اللغوي الذي يتخذ من اللغة أداة للتنظير النفسي، كما نجده
عند جاك لاكان الذي ربط علم نفس الطفل بلغته الأم، لا بثدي أمه فقط كما في الطرح الفرويدي.
كان يمكن للكاتب في صدد استدلاله على اتساع فجوة عقلنا اللغوي القطري لدينا أن يكتفي
بالإشارة إلى أن جميع هذه الروافد العلمية الأساسية، وما أفرزته من علوم ازدواجية، لا تجد لها مكانًا
في مناهج معاهدنا وكلياتنا، وكثير من مراكز بحوثنا، إلا أنه وجد أنه من غير اللائق أن يترك
القارئ/القارئة على هذا المستوى من التعميم، لذا فقد رأى أن يتناول بإيجاز شديد كلا من العلوم اللغوية
الازدواجية الواردة في الجدول المرفق:
(أ) اللسانيات الرياضية: اللغة - كما قيل - هي الاستخدام اللامحدود لموارد محدودة، بمعنى أن
الجماعة الناطقة باللغة تظل دومًا قادرة على أن تأتي بعدد لانهائي من التعابير، واستحداث الألفاظ
والمعاني والاستعارات وما شابه، والرياضيات هي الوسيلة المثلى لاحتواء هذا اللانهائي اللغوي،
فبمعادلة رياضية واحدة يمكن اختزال حالات عدة من التجليات اللغوية وذلك بفضل قدرة الوسائل الرياضية
على التعامل مع الرموز والعلاقات المجردة، فرمز مثل «ف» أو «س» مثلا يمكن أن يمثل كل فئة الأفعال
و الأسماء أو فئة جزئية منها، وعلاقة مجردة كعلاقة التوافق - مثلاً - يمكن أن تدل على توافق الفعل مع
الفاعل في النوع والعدد (مثال: النظريتان تتفقان على...،)، أو الصفة والموصوف تعيينًا ونوعًا وتأنيثًا وعددًا
وإعرابًا (مثال: امرأتان جميلتان، الرجلين الكريمين).
(ب) علم اللغة المنطقي: المنطق - كما يعرف أحيانًا - هو نحو العقل، لذا كان طبيعيًا أن يكون لقاء
اللغة بالمنطق لقاء ساخنًا وحاسمًا نظرًا لكون الفعل اللغوي هو فعلاً عقلياً في المقام الأول، وحتى وقت
قريب، كانت قناعة كثير من اللغويين والمناطقة على حد سواء أن اللغات الطبيعية لا يمكن أن تخضع
للمنطق، حيث إن هناك اختلافًا شاسعًا بين مقولات اللغات الطبيعية ومقولات المنطق الصوري كما
أسس له أرسطو، فشتان بين مرونة اللغة والتباسها وغموضها وحذفها وإطنابها، وبين صرامة المنطق
الأرسطي القاطع الذي لا يتعامل إلا مع العلاقات الصريحة، التي لا تحتمل غموضًا أو لبسًا أو حذفًا أو
فائضًا، إلا أن هذا «الخجل العلمي» بدأ يتلاشى تدريجيًا ليرتد إلى الطرف النقيض على أيدي أولئك
اللغويين الدلاليين من أصحاب النظرة الجريئة، التي ترى أن المنطق - ولا شيء سواه - هو المدخل
الطبيعي لتناول إشكالية اللغة من بوابتها الذهبية، فراحوا يرتقون بمنطق أرسطو، منطق الأساس، إلى
رتب أعلى من المنطق يمكنها التعامل مع طبيعة المقولات اللغوية السالفة الذكر، وقد نجح أهل
الإنجليزية والفرنسية في صياغة قواعد لغتيهما في هيئة منطقية مما جعلهما مؤهلتين للتحليل الدلالي
الدقيق.
(ج) علم اللغة الإحصائي: استخدم علم اللغة الإحصائي منذ أواخر القرن التاسع عشر في تحليل
أساليب الكتاب من خلال إحصاء معدلات تواتر الوحدات اللغوية المختلفة من حروف وكلمات وأنماط
تركيبية ولوازم لفظية ونحوية، وقد شهدت اللسانيات الإحصائية في بداية النصف الثاني من القرن
العشرين نقلة نوعية مثيرة بظهور نظرية المعلومات، التي مكّنت - لأول مرة - من قياس كمية المعلومات
مستخدمة في ذلك نظرية الاحتمالات، وقد قامت على أساسها دراسات عدة في تحليل النصوص
اللغوية بقياس ما تحمله من كم المعلومات، وهو ما أدى - بدوره - إلى تحليل نصوص الأدب والشعر على
أساس إحصائي، وهكذا فتح الطريق أمام دراسة أدبية الأدب، وشعرية الشعر على أسس موضوعية
وفقًا لمعايير كمية.
(د) علم اللغة النفسي: أشرنا في مواقع سابقة إلى علاقة اللغة بعلم النفس، وسنكتفي هنا
بالإشارة إلى ما يحظى به علم النفس اللغوي حاليا من اهتمام متزايد في إطار البحوث الجارية في
مجال علم النفس المعرفي، وكذلك في مجال سبر أغوار المخ البشري، حيث تعد الوظائف اللغوية
الذهنية مدخلا أساسيا لكشف الكيفية التي يعمل بها المخ البشري عموما، وذلك لما تتسم به هذه
الوظائف من وضوح، سواء فيما يخص مدخلاتها: استماعا أو قراءة، أو مخرجاتها: تحدثا أو كتابة، وهي
تختلف في هذا عن الوظائف الذهنية الأخرى كتلك المتعلقة بملكة الإبصار على سبيل المثال.
(هـ) علم اللغة الاجتماعي: وهو يتناول اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، على أساس أن مهمة اللغة
- في المقام الأول - هي أداة التواصل من أجل القيام بالوظائف الاجتماعية المختلفة، وباعتبار اللغة
منظارًا نرى من خلاله العالم، لذا فهي تتغير من ثقافة إلى أخرى، وتتحدد معانيها وفقًا للسياق
الاجتماعي.
ويحظى علم اللغة الاجتماعي باهتمام متزايد في الفكر الحديث الذي يرى أن الأداء الكلي
للمجتمع هو متغير تابع للخطابات، التي تسري في كيانه: الخطابات السياسية والاقتصادية والإعلامية
والتربوية والدينية والإبداعية، وجميعها يرتبط مع اللغة بعلاقات وثيقة، إضافة إلى أن الذكاء الجمعي
للمجتمع بأسره يتوقف على أدائه اللغوي، سواء من حيث الشفافية اللغوية لفضاء الرأي العام، أو فاعلية
التواصل اللغوي بين الأفراد والمؤسسات، التي تعمل في حقل إنتاج المعرفة وتوظيفها.
(و) علم طبيعة الأصوات: اقتصرت علاقة الفيزياء باللغة في بدايتها على دراسة الخصائص الفيزيائية
للصوت اللغوي (الفونتيك)، في إطار دراسة عمل جهازي النطق والسمع، وتشمل هذه الخصائص عددًا
من الثنائيات المتضادة مثل الجهر والهمس، والتفخيم والترقيق، والإدغام والإشباع، وما شابه، وقد اهتم
الفونتيك في بدايته بوحدات اللغة الصوتية الصغرى كأصوات نطق الحروف المفردة (الفونيمات)، أو نطق
لمقاطع الصوتية من ثنائيات الحروف، وثلاثياتها أحيانًا. يتجه الفونتيك الحديث إلى دراسة الخصائص
الصوتية للوحدات اللغوية الأكبر للحمل فيما يعرف بأنماط التنغيم، التي تختلف وفقًا للنمط التركيبي
للحمل، فتنغيم الجملة الخبرية - على سبيل المثال - يختلف عن نمط الجملة الإنشائية، وتنغيم أسلوب
التعجب يختلف عن تنغيم المدح والذم.
(ز) علم اللسانيات الأنثروبولوجية: وهو يدرس الجوانب المتعلقة بنشأة اللغات خاصة في الثقافات
البدائية، والعلاقات التي تربط بين الفصائل والأسر اللغوية، وكذلك علاقة اللغة وتطورها بثقافة الجماعة
الناطقة بها. من جانب آخر، فقد استخدمت اللغة كأداة للبحث الأنثروبولوجي، وقد دشن كلود ليفي
شتراوس الأنثروبولوجيا اللغوية، حيث استهدى في نهجه البنيوي بما خلص إليه التنظير اللغوي الحديث
من أن ظاهر استخدام اللغة، والذي يبدو عفويًا، بل وعشوائيًا أحيانًا، يبطن بداخله نظامًا منسقًا من
العلاقات، فراح شتراوس يبحث في أساطير الشعوب، على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، عن البنى العميقة
المشتركة، التي ترقد تحت ظاهر نصوصها، بالرغم من اختلاف اللغات والشخوص وتفاصيل الأحداث.
(ح) علم اللسانيات البيولوجية: ما إن ظهرت نظرية تطور الكائنات لداروين حتى أسرع البعض في
استخدامها لتناول نشأة اللغات وتطورها، وفي حين نجحت النظرية في دراسة أصل اللغات ونمو العناصر
البيولوجية اللازمة لوظائف اللغة الأساسية نطقًا وسمعًا، إلا أنها فشلت في تفسير عمليات الذهن
اللغوية، وهو ما تهدف إليه حاليًا اللسانيات الأعصابية، Neuro- Linguistics مستعينة بالإنجازات الهائلة
للبيولوجيا الجزيئية، التي يسعى أهلها للكشف عن الأساس الجيني لكيفية اكتساب اللغة، وكيفية قيام
الذهن بوظائف توليد اللغة واستقبالها، ويتردد على أسماعنا حاليًا اكتشاف جين النحو، وجين تكوين
الكلمات، أو بصيغة أدق، مجموعة الجينات، التي تقوم بهذه المهام اللـــــغوية المــركبة، التــي لا يمكن
أن يقوم بها جين منفرد.
وفي ختام الحديث عن جفاف الروافد العلمية المغذية للتنظير اللغوي العربي، يبدو لزامًا أن نشير
إلى أن الموقف لا يخلو من بعض مبادرات هنا وهناك، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
مساهمات د.يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي المرموق في دراسة علاقة اللغة بالوعي الفردي والجمعي، والسلوك اللغوي لدى المرضى النفسيين، واهتمامه أخيرًا بعلم النفس المعرفي. اهتمام د.يمنى الخولي بفلسفة اللغة، وكذلك مبادرتها في استخدام المنطق الحديث في دراسة بعض الظواهر النحوية للغة العربية. ما قام به د. إبراهيم أنيس وأبو خاطر الشافعي في مجال خصائص أصوات الحروف العربية. ما يقوم به قسم تدريس اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في مجال علم اللغة الاجتماعي ودراسات لهجات العامية معجميًا ونحويًا ووظيفيًا. تخلف الفكر اللغوي عن الثورة اللسانية
أثمر التفاعل العلمي بين اللغة والفروع العلمية المختلفة نماذج لغوية عدة ساهم في ظهورها، بصورة
مباشرة أو غير مباشرة، التوسع في استخدام الحاسوب في المجال اللغوي، وما يتطلبه ذلك من تمثيل
اللغة بصورة منهجية منضبطة تلبية لمطالب المعالجة الآلية، وسنكتفي هنا- كشاهد على مدى تنوع
الفكر - بأن نسرد مجموعة من هذه النماذج الأكثر تأثيرًا في حركة التنظير اللغوي دون الدخول في
التفاصيل، وذلك كشاهد على مدى ثراء الفكر اللغوي النظري الحديث:
النحو التوليدي التحويلي، نظرية الربط العاملي، نحو البنية العامة للمقولة اللغوية، نحو حالات
الإعراب من منطلق دلالي، النحو المعجمي الوظيفي، النحو المتعدد الطبقات، النحو المقولي، النحو
العلاقي، نحو بنية الجملة على أساس الرأس، نحو مونتاجيو.
مازال تنظير اللغة العربية أسير النهج التحليلي الذي عفى عليه الزمن، والقائم على إعطاء أمثلة
من حالات الإطراد والشذوذ، فقد حلّ محله ما يعرف بالنهج التوليدي ذي الأساس الرياضي القادر على
توليد جميع المنطوقات الممكنة في لغة ما.
هناك بعض محاولات متناثرة قام بمعظمها دارسون عرب في الجامعات الأمريكية لتطبيق جزئي
لعدد محدود من النماذج المذكورة سلفًا، وتحديدًا النحو التوليدي التحويلي، ولكن أبرز ما تم إنجازه في
التنظير للعربية، هو ما قام به عبدالقادر الفاسي الفهري في مراحله المبكرة من تطبيق النحو المعجمي
الوظيفي على جوانب عدة من نحو العربية، وما أضاف له في «البناء الموازي» فيما يخص تبنيه الصريح
لنظرية الربط العاملي، وتطبيقه لها على بعض حالات لبناء الكلمة والجملة العربيتين، والنموذج شبه
المكتمل، الذي قام بوضعه الكاتب لتطوير نظام إعراب آلي للغة العربية باستخدام نموذج النحو العام
للمقولات النحوية. تم في إطاره صياغة نحو رياضي للغة العربية بتغطية شبه كاملة لتركيبات الجملة
العربية، خبرية وإنشائية، بسيطة ومركبة، بلغ عدد القواعد ما يقرب من 20 ألف قاعدة.
فجوة العقل اللغوي التطبيقي
يقصد بفجوة العقل اللغوي التطبيقي تخلف فكرنا اللغوي في توظيف اللغة عمليًا في المجالات
الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وقد رأينا أن نقسمها إلى أربع فجوات فرعية هي: فجوة العقل اللغوي التربوي. فجوة العقل اللغوي الإعلامي. فجوة العقل اللغوي الإبداعي. فجوة العقل اللغوي التكنولوجي.
وسنتناول فيما يلي كلا منها بإيجاز:
(أ) فجوة العقل اللغوي التربوي: يتناول علم اللغة التربوي أمورًا عدة من أبرزها: الأمور المتعلقة بتعليم اللغة وتعلمها، سواء كلغة أولى للناطقين بها، أو كلغة ثانية لغير الناطقين بها. دور اللغة كأداة لتنمية القدرات الذهنية والإبداعية. تنمية روح الانتماء الثقافي والوطني لدى الناشئة من خلال توطيد ارتباطهم بلغتهم الأم. الموقف العربي الراهن: تشكو العربية من أزمة حادة في تعليمها وتعلمها: منهجًا ومعلمًا ومتعلمًا،
ومن أخطر القضايا المتعلقة بعلاقة اللغة بالتربية هي تلك الخاصة بتعريب تدريس العلوم. ويمكن القول،
بصفة عامة، إن خطابنا اللغوي التربوي قد أصابه الترهّل، إذ لا يني يجتر مقولاته القديمة عاجزًا عن
الخروج من فلك الدوائر الخبيثة، في إطار فكري تربوي عام يشكو من تبعية مترسخة، وقد غابت عنه
رؤية المناهل الجديدة، التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات من أجل تجديد منطلقاته، وتحديث أساليبه.
أما فيما يخص علاقة اللغة العربية بتنمية القدرات الذهنية والإبداعية، فأقل ما يقال عنها أنها مهملة،
ويرجع ذلك إلى ما سبق ذكره من قصور بحوث علم النفس اللغوي، والأمر بالنسبة لعلم النفس التربوي
ليس أحسن حالاً، فمعظم باحثيه من ذوي الخلفية التربوية الذين يفتقدون - أصلاً - الأساس المعرفي
اللازم على صعيد علم النفس، ولا يختلف الأمر كثيرًا فيما يخص القصور في استخدام اللغة في تنمية
الانتماء الثقافي والوطني، حيث تندر البحوث المتعلقة بذلك في مجال علم اللغة الاجتماعي متضافرًا مع
نظيره النفسي.
(ب) فجوة العقل اللغوي الإعلامي: يتناول الفكر اللغوي الإعلامي أمورًا عدة من أبرزها: أثر لغة الرسالة الإعلامية على المتلقي، وما يرتبط بذلك من استخدام الإعلام كسلاح أيديولوجي للسيطرة على عقول مشاهديه ومستمعيه وقرّائه. دور وسائل الإعلام في توليد المصطلحات الجديدة اللازمة لتغطية المفاهيم المستحدثة، التي يتوالى ظهورها بمعدل شبه يومي، والإعلام بحكم متابعته الفورية للأحداث سباق إلى تناول هذه المفاهيم بصفته خط المواجهة الأول مع الأحداث الجارية. دور الإعلام في نشر الثقافة اللغوية، وتطوير الجوانب الحوارية في استخدام اللغة، وهي القضايا التي تتنامى أهميتها مع تعدد أطوار التواصل في عصر المعلومات. الموقف العربي الراهن: يشكو الفكر الإعلامي العربي عمومًا من نقص حاد في مجالات البحوث
النظرية، حيث طغى على هذا الفكر الطابع العملي الذي تفرضه عليه المؤسسات الإعلامية الرسمية
ذات السطوة والغلبة، وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إهمال الشق اللغوي على الصعيد الإعلامي
باستثناء مبادرات قليلة تشكو من العمق التنظيري، وغالبًا ما تتجنب الصدام ملتزمة الصمت إزاء
المسكوت عنه في لغة خطاب الإعلام الرسمي.
أما علاقة اللغة بالإعلام، فمازالت مقصورة على تصويب أخطاء الكتّاب والمذيعين، وتنمية المهارات
اللغوية الأساسية، وما عدا ذلك، فشبه غياب تام لأثر لغة الإعلام على المتلقي، بالرغم من كونه محور
منظومة الإعلام.
(ج) فجوة العقل اللغوي الإبداعي: يتناول الفكر اللغوي الإبداعي أمورًا عدة من أبرزها: علاقة اللغة بأجناس الفنون المختلفة من أدب وشعر، وموسيقى وتشكيل ومسرح وسينما وخلافه، وذلك باعتبار اللغة هي النسق الرمزي الأم، الذي ينطلق منه علم الجمال في مسعاه لتعريف دقيق للغة الموسيقى، ولغة التشكيل، ولغة المسرح، ولغة السينما وخلافه. استخلاص الشق المعرفي للفنون المختلفة فالأدب والشعر - على سبيل المثال - هما ضرب من المعرفة، وصدق من قال إن كل ما قاله العلم سبق للأدب أن سجله كتابة، ويكفي مثالاً هنا من علم النفس، فيما قال به فرويد عن نزعة الصراع النفسي مع الأب لدى الذكور، ومع الأم لدى الإناث، فيما عرف بعقدتي أوديب وإلكترا، واللتين تناولهما المسرح الإغريقي منذ ما يزيد على عشرين قرنًا قبل فرويد. دور اللغة في تنمية القدرات الإبداعية على أساس كون الاستخدام اللغوي في حياتنا اليومية بمنزلة ممارسة دائمة ومستمرة للإبداع من خلال ابتكار الجديد من المصطلحات والمجازات والتعبيرات. الموقف العربي الراهن: لا نضيف جديدًا بقولنا إن المشهد اللغوي الإبداعي لدينا أشبه بصحراء
جدباء، حيث لا يعيره اللغويون الكلاسيكيون أي اهتمام، ولا يعتبره منظرو علم الجمال شاغلاً رئيسيًا يتعذر
دونه الارتقاء بهذا العلم إلى مصاف العلوم الدقيقة، وذلك باستثناء مبادرات مما تصدره مجلة الفنون
الكويتية من قبيل ما يكتبه حسام زكريا في علاقة اللغة بفن الموسيقى، وماري تيريز عبد المسيح في
علاقة الأدب بالتشكيل، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ضمور معظم أجناس الفنون لدينا: إنتاجًا وتذوقًا،
ولابد لهذا الوضع أن يتغير، فاللغة هي أملنا في إحياء إبداعنا الفني، وإبداعنا الفني - في المقابل، هو
أملنا في إحياء اللغة، وفنوننا اللغوية من أدب وشعر، هي أهم فنوننا بلا منازع.
(د) فجوة العقل اللغوي التكنولوجي: يتناول العقل اللغوي التكنولوجي الأمور الرئيسية التالية: اللسانيات الحاسوبية فيما يتعلق بتطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي على معالجة اللغات الإنسانية آليًا. الدراسات اللغوية المقارنة والتقابلية لدعم جهود تطوير نظم الترجمة الآلية. دور تكنولوجيا المعلومات في دعم جهود علم النفس الأعصابي الذي يعتمد بصورة أساسية على شقه اللغوي، ويقصد به اللسانيات الأعصابية. دعم تكنولوجيا المعلومات لبحوث اللسانيات النصية بفضل قدرة هذه التكنولوجيا على الكشف بصورة سافرة عن شبكة علاقات التماسك السياقي والمنطقي، التي تنطوي عليها النصوص. الموقف العربي الراهن: حقق فكرنا العربي التكنولوجي إنجازات ملموسة في مجال معالجة
اللغة العربية حاسوبيًا على مستوى الحرف والكلمة والجملة، ومن أبرز هذه الإنجازات تطوير نظم آلية
للصرف العربي والنحو العربي أدت إلى تطوير نظام لتشكيل النصوص العربية تلقائيًا، ولا يفوت الكاتب
هنا التنويه بما قام به سعيد يقطين فيما يخص النص التفاعلي السائد على الإنترنت. وبالرغم من الجهود
المثمرة، فإنها مهددة بالتوقف نظرًا لعزوف القطاعين، الحكومي والخاص، عن الاستثمار في هذا المجال
الحيوي مما سيعوق لحاق اللغة العربية بالموجة الثانية لمعالجة اللغات الإنسانية حاسوبيًا، والتي تهدف
إلى تطوير برمجيات ذكية تفوق قدرات البرمجيات الراهنة، التي توصف بأنها غشيمة.
اعجبني فنقلته لكم |
|