سارة: "أماه... تعالي لأريك اللوحة التي أرسمها"
الأم: "إنها تبدو لطيفة يا سارة"
الأم: "إنني لا أرى اللون الأزرق بها"
سارة: "إنه هنا"
الأم: "إنني لا أرى اللون الأخضر"
سارة: "ها هو"
سارة: "إنني لا أريد أن أستخدم أقلام التلوين بل أريد أن أطلي لوحتي بالدهان"
الأم: "سآتيك بأدوات الطلاء إذًا"
سارة: "هل من الممكن أن تطلي هذه الوردة لي يا أماه؟"
عزيزي المربي..
إن أطيب ساعات الحياة هي تلك التي يقضيها الأب مع أطفاله، ويعود طفلاً معهم، وبينهم، يلاعبهم ويلعب معهم، يرفع أحدهم في الهواء.. ويداعبه برقة وحنان، ويركب على ظهره الصغير وكأنه حصان، ويأخذهم معه في نزهات، ويُفرحهم بالألعاب والهدايا الصغيرة، وينسى كل هموم الدنيا في عيونهم الضاحكة بالفرح والابتهاج، ولغتهم الصادحة بالبراءة والجمال، وتكسيرهم قواميس اللغة، والاقتراب من لغتهم الطفولية المحببة إلى البعيد قبل القريب، وإلى الغريب قبل الأب.
ولاشك أن الأمور الصغيرة في حياتنا هي التي تسعدنا، فحياتنا مجموعة من الأشياء الصغيرة كما أن أعمارنا دقائق وثوان، إن وإن أطيب وقت لدى (الإنسان) هو الوقت الذي يمضيه مع أطفاله، ويقضيه بينهم، إنهم يبهجونه أكثر مما يبهجهم، ويسعدونه أكثر مما يسعدهم، ويدخلونه نادي السعادة، فنادي السعادة في هذه الدنيا يكاد يكون مقصورًا على الأطفال، ولا يسمح بدخول رجل إلا إذا كان في ضيافة طفل.
ومن ثم نرى الآباء يسعون في الاهتمام بأبنائهم لأنهم الذين يملؤن عليهم حياتهم فرحة وسرورًا، ولكن مع الاعتراف بأن الأطفال في حاجة ملحة إلى الإحساس بالاهتمام من الآباء فإننا نبه على أن الاهتمام الزائد عن الحد لربما ينقلب إلى الضد فينقلب شعور الطفل بالاهتمام من أبويه إلى شعوره بأنه أصبح مسيطرًا ومتملكًا، لذا يجب علينا التعرف على أنواع الاهتمام وكيفية تطبيقه مع أطفالنا.
أنواع الاهتمام.
يعد اهتمام وتشجيع الكبار من أقوى المكافآت التي ينالها الطفل ولكن لسوء الحظ نادرًا ما يستخدم الآباء الاهتمام بحكمة، ولذا فمن المهم إذا أردنا أن نبين المفهوم الصحيح للاهتمام أن نتحدث في ثلاثة محاور:
1. اهتمام إيجابي.
2. اهتمام سلبي.
3. عدم الاهتمام "الإهمال"
أولًا: الاهتمام الإيجابي:
عندما تعطي اهتمامًا وتشجيعًا لطفلك لحسن سلوكه فهو إذًا قد نال اهتمامًا إيجابيًا, وهو يعني إدراكك أن طفلك يحسن التصرف، ومن ثم عليك الانتباه للسلوك الإيجابي لطفلك لتكافئه عليه بمزيد من الاهتمام، والاهتمام الإيجابي قد يكون بكلمات الإطراء أو التشجيع أو التقرب أو العناق، فإبداء ملاحظة سارة تكتب وتوضع في الحقيبة التي يحمل فيها طفلك غذاءه ستنجح بصورة جيدة في تحقيق ذلك وهكذا يزيد الاهتمام الإيجابي من حسن التصرف.
فاعلم أيها المربي الفاضل (أن كل طفل يحتاج لأن يعرف أنه محبوب ومقبول لشخصه هو، كما أن الاهتمام بالطفل هو أعظم هبة نستطيع أن نهبها لأطفالنا، وهذه بعض عبارات التعزيز التي تنفذ مباشرة إلى قلب الطفل موصلة له رسالة: "إنك على ما يرام"، وهي: أنت شخص ذو قيمة، إنني مسرور لأنك طفلي) [قوة الحديث الإيجابي، دوجلاس بلوك، ص(3-25)، بتصرف].
والاهتمام بالطفل هو أعظم مكافأة تعطيها إياه، (فأهم مكافأة لأطفالك حسن علاقتك بهم، كما أن أهم عقوبة هي عدم رضاك عن سلوكهم، أعط من وقتك لأطفالك، وأبد اهتمامًا بنشاطهم واكتشافاتهم) [مفاتيح التربية البناءة الدليل العملي للآباء والمعلمين، رونالد موريش، ص(103)].
ثانيًا: الاهتمام السلبي:
عندما تمنح الاهتمام لطفلك حينما يسيء السلوك فأنت تعطيه اهتمامًا سلبيًا، فالاهتمام السلبي يبدأ عندما تصبح متضايقًا من سلوك سيئ لابنك ثم يتبع ذلك تهديدك للطفل والتحقيق معه وإلقاء المحاضرات عليه، وهنا لا يمثل الاهتمام السلبي عقابًا بل هو إثابة؛ إذ لا يعاقب الاهتمام السلبي إساءة السلوك ولكنه يزيد منه.
فالاهتمام السلبي (يعلم الطفل كيفية التلاعب والمناورة؛ فهو يتعلم كيف يزعجك ويقاطعك أو يسيطر عليك كما أنه يعلم الطفل كيفية الاستفزاز والشكوى والمضايقة والشعور بالضيق والثورة والغضب، فنحن ندفع الطفل لذلك بعدم إبداء اهتمام له عندما يحسن التصرف وإبداء الاهتمام به عندما يسيء التصرف) [كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك، سال سيفير، ص(230)].
وإن من مشاكل الاهتمام السلبي أنه يؤدي بالطفل إلى الغطرسة وإعجابه بنفسه، فإنه إذا فعل فعلًا سيئًا ثم قمت أنت بالاهتمام به فسيؤدي ذلك به إلى الغطرسة والتكبر؛ لأنك تمنحه الاهتمام وهو على خطئه، وفي هذه الحالة (توقف عن الدعم التشجيع لذات انبك، فإن كنت تضع ابنك الصغير في دائرة الضوء لكي تستعرض مواهبه وجماله، فتوقف عن هذا فورًا) [لا تعاملني بهذا الأسلوب، ميشيلي بوربا، ص(60)، بتصرف].
ثالثًا: الإهمال:
وهو ألا يعطي المربي اهتمامًا لطفله بسبب انشغاله، فلا يمدح الحسن ولا يذم الخبيث، فهو بذلك لا يرفع من شأن السلوك الحسن ولا يحد من السلوك السيئ.
والملاحظ أن عدد كبير من الأطفال يتعرضون للإهمال في مختلف أرجاء العالم، ويُعرَّف الإهمال بأنه ذلك النمط "من سوء المعاملة الذي يعبر عن الفشل في توفير الرعاية المناسبة لعمر الطفل"، كالمسكن والملبس والغذاء والتربية والتعليم والعطف والتوجيه والرعاية الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية الضرورية، لتنمية القدرات الجسدية والعقلية والعاطفية.
والإهمال ـ بخلاف الاعتداء الجسدي والجنسي ـ يتسم بصفة الاستمرارية فيظل عالقًا في أذهان وقلوب الأطفال ويتمثل في نمط غير مناسب من الرعاية والتربية، وتسهل ملاحظته من قبل الأشخاص القريبين من الطفل، فالأطباء والممرضون وموظفو دور الرعاية ورياض الأطفال والأقارب والجيران هم عادة أول من يشك في إهمال الوالدين لأطفالهم الصغار، إذا يبدو ذلك واضحًا على الأطفال في طلباتهم وسلوكهم.
وإليك أيها المربي الفاضل بعض الاقتراحات التربوية من أجل الوصول إلى التوازن في الاهتمام:
• الاهتمام الإيجابي: امنح طفلك الاهتمام الإيجابي حتى لا يبحث عن الاهتمام السلبي، فقد له دائمًا الحضن الدافئ الذي يشعر معه بقربك الشديد منه واهتمامك به، والأم يجب أن تحرص على نظافة طفلها وطعامه وأساليب الترفيه الخاصة به، فإن لبت الأم تلك الاحتياجات بحب وحنان؛ فلن يبحث طفلك عن الاهتمام السلبي بلفت الانتباه أو وضعك تحت الأمر الواقع.
• طفلك ذكي جدًا: فلا تتجاهل ذلك واهتم برأيه، انسج حوارًا تربويًا يناسب عمره وقدراته بشأن ارتداء ملابسه وشراء ألعابه، وبكل ما يخص احتياجاته، فهذا من شأنه أن يطور ذكاءه، ويجعله اجتماعيًا بشكل يتناسب مع عمره وجنسه.
• لا تنس أن تشاركه اللعب: في هذا العمر مهم جدًا أن تشارك طفلك اللعب، فهو يشعر بالسعادة والمتعة وتزداد ثقته بنفسه، ويتطور سلوكه الإيجابي من مشاركتك له ولو لساعة.
• كن حذرًا وحازمًا: اعرف جيدًا أن استخدام طفلك للصراخ سيدفعه لتبني أساليب أكثر عنفًا مستقبلًا إذا تجاوبت مع صراخه، لذلك عليك عندما يصرخ أن تتركه يصرخ كما يشاء، وكأنك لم تسمع شيئًا ولم ترى شيئًا، واطمئن فهو لن يؤذى من الصراخ، فلا تقلق وكن حازمًا معه، وكن حنونًا في أوقات أخرى، فمن شأن ذلك أن يطفئ سلوكه السلبي ويجعله يفكر بأمر آخر قد يكون إيجابيًا.
ـ إذًا فواجب الوالدين دائمًا الاهتمام بالطفل ورعايته وإظهار الحب والعطف والحنان نحو طفلهما والقيام بقضاء احتياجاته المادية والمعنوية بلا تقصير، والتغلب على المشاغل التى تعوق القيام بهذه الواجبات، واعتبار هذا الواجب مقدمًا على غيره من الواجبات الأخرى إذا تعارضت معه، وألا يقصر أحد الوالدين نحو الطفل عنادًا الآخر؛ لأنه لا يؤدى واجبه معه فلا يؤاخذ الطفل بجريرة أحد الوالدين.
كما يجب على الأم التى تضطر للخروج من البيت بسبب العمل أن تضاعف من مشاعر العطف والحنان نحو الطفل خلال الأوقات التى تصحبه فيها فى البيت أو خارجه، كما يجب على الوالد أن يعطي طفله كل يوم الوقت الكافي من الملاطفة والملاعبة والمتابعة له؛ لأن الطفل يحتاج إلى أن يكون له أب كما يحتاج أن يكون له أم، ولا غنى للطفل عنهما معًا لكي ينشأ سويًّا فى شخصيته.
والخلاصة أيها الوالد العزيز نريدك مربيًا ناجحًا تمدح السلوك الحسن، ولكن من غير إفراط حتى لا يغتر الطفل، وتذم السلوك السيئ ولكن من غير مبالغة في الزجر والنهي، فقط ذم السلوك وحدد العقاب وكن حازمًا في تنفيذه...
ولا تكن أبدًا من الذين يهملون أطفالهم وينشغلون عنهم بالعمل أو البيت؛ ذلك لأن الأطفال الصالحين هم المعيار الأول لنجاحك أيها المربي في حياتك، وهم كذلك تجارتك الرابحة يوم القيامة.
ولتنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يهتم بالأطفال وكيف كان حبه صلى الله عليه وسلم لهم، فأقل شيء أنه كان يبكي على الأطفال عند موتهم ويؤثر ذلك فيه، كما يعزي فيهم أهلهم، (فعن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنًا لي قد قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنة، ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟، فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) [متفق عليه] [نقلًا عن أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين؟، جمال عبد الرحمن، ص(40)].
وختامًا عزيزي المربي إلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا.
مع تحيات المهندس...............خليل البنا